صغارا كـنا واظن لازال فينا بقية من ذلك ,
عام1973 في مدينة الصدر ( الثورة في حينها) وفي عصر احد ايام الشتاء بينما كنت وابناء عمومتي نلعب لعبة الجميدان قرب دكان عمتي المرحومه التي اصابها الضجر من تصرفاتنا الصبيانيه .
- ولًـكًم هيدوا ( استقروا) لاهاد الله عليكم !!
لم نهيد!! بل استمر لعبنا واصواتنا وضجيجينا ,حتى هاجمتنا بالعصا
هربوا ولم اهرب فامسكتني من أذني ( لتملصها ) وهي في قمة غضبها وعصبيتها.
- عمت عيني عمه , ولًك انت مصخن ؟ سوده بوجه عمتك. ( هكذا قالت ولم أفهم قصدها وتحولها من الغضب الى الحنان )
أخذتني الى ابي
- ابو حسن خويه وليدك مصخن كلش! اخذه لشيركو عبدالعزيز ( الطبيب)
اخذني ابي من يدي وغسلوا وجهي والبسوني ثوبا من البازة المخططه ( كلش اكرهه)
وعند الطبيب شيركو عبدالعزيز الذي ( بزني ابره) جعلتني ( اصيح وما استريح) كَلبت الدنيا عليهم ( نعايل ) وتهديدات برجمهم بالحجارة وخصوصا ابوي ابو شوارب
- ولك بويه حسوني راح اشتريلك لبلبي واخذك للكاظم حتى يطيبك
صباح اليوم التالي اخذني ابي للكاظم (عليه السلام) , هالني المنظر والقباب الذهبيه والمنائر ولكن ما جعلني ( أستُخف ) هي الطيور الزواجل والطويرنيات ( أهواي أشششششششششششششكد)
بويه هذني مالات مَن الحمامات ؟
ابتسم وقال : مالات الامام الكاظم عليه السلام
شني جـا هو عنده طيور ؟
جا يا برج يلمهن ذني ؟
بوويه خل ناخذ زاجل منهن ؟
- ولك انجب شو انت تهروت !
لاتظل تمسلت , درينه مصخن بس لاتتعيقل هواي
على اية حال انا اتمنى ان يزورني ابي على هيئة طير ولو كان زاجل.
ظلت صورة الحمامات تعشعش في دماغي الزعطوطي
في صيف (1974) وفي صباحاته وكالعادة كنا نلعب في الدربونه واذا بصوت الشهيد كريم ( ابن عمي )
- ابو عليَه تعال .وجيب وياك نعومي
ركضت بكل ماامتلك من قوة لانني احب كريم اخي واكبر ابناء عمومتي فهو يشعرني بانني مميز ويكلفني بواجبات وكانني بطل رغم انها احيانا تؤدي الى ( طياح حظي)
دخلنا بيت عمي ابو كريم وفتح ابوحاتم صندوقا خشبيا عتيقا ( فاتيه) واخرج منه دفتر ابو ( 60 ورقه)
- ابو عليًه تعرف تقره مو؟؟
- اي جا شلون !!
- ها ... بطل ابو عليًه , اقرالي هاي الكتابه المكتوبه بالاحمر.
- رف ياحمام ..رف ياحمام
على موسكو وعلى برلين
واكملت القراءة ولااتذكر بقية المكتوب لتقادم الزمان وبسبب ماحصل لي بسببها.. العالق في ذاكرتي هو الحمام (الطيور الزواجل) ..حيث اني تصورت ان موسكو تشبه الكاظم عليه السلام . ( عقل زعطوط )
- حسوني اليوم عصرا سنقيم حفلة عيد ميلاد نعومي(الشهيد نعيم) وسنقدم الحلقوم(اللقم) والجكليت (المللبس) والشربت
وستقوم انت ونعومي بقراءة هذا الشعر خلال الحفله
عصرا تجمعنا (كل زعاطيط البومطير والزعاطيط المتحالفه معنا) في حوش بيت عمي ابوكريم
وحضر غالبية بيت طويهر (جد ابي) الذي ينحدر منه اعمامي (عشائريون)
وحضر ايضا اصدقاء اخي كريم ( طبعا كلهم شيوعيين)
وهكذا اصبح الحضور ثلاثة مجاميع : زعطوطيه (نحن), عشائريه ( عمي واولاد عمه), اصدقاء كريم الشيوعيون...
بدءت الحفلة بنثر الابتسامات والسلامات والضحكات جو مليء بالفرح والحميميه , لااستطيع وصف الفرح حينذاك
حتى اومىء الشهيد كريم لي ولنعومي بقراءة ماحفظناه طامعين بغنائم الحلقوم والجكليت
رف ياحمام ... ياحمــــام ..ياحمــام
رف على موســـكو وعلى برلـــيــن
واذا بلطمة دوت على مؤخرة رأسي افقدتني التوازن.
طفرت دموعي نافرة من عيوني ممزوجة بدهشة واستغراب, لماذا ؟؟ هذه التحولات؟
بالامس البعيد عمتي تتحول من حانقة الى حانية
واليوم فرحي الغامر يتحول الى لطمة تقفدني احساسي بالزمن !!
اللطمة كانت عشائرية دفعتها الغيرة على الدين والمذهب وعلى منائر الامام الكاظم عليه السلام من اشعار تمجد منائر الكرملين الموسكوفي .
انا حينها لافرق عندي فكلها منائر وقباب .
مايهمني ويشغلني بل يسكنني هو الحمام .
لافرق عندي طويرني او زاجل .
تلك اللطمة علمتني ان هناك فرقاً وخلافا مستحكم بين كارل ماركس الساكن في الصفحة الاولى من الكتاب الاحمر المكتوب عليه بخط ذهبي ( رأس المال)
وبين جدي ذو اللحيه المشابهة شيخ مزبان !!!
....
بعد كل تلك السنين
وبعد استشهاد اخي كريم الشيوعي الصلب الذي اعدمه صدام ولم يتنازل عن شعره من شعرات ماركس الكثيفة
وبعد استشهاد نعومي في حرب لاكتاب له فيها وقلم بعد ان لم يتم قبوله في كلية رغم تخرجه من الاعدادية.
وبعد استشهاد محمد لانتمائه لحزب شعاره اللهم اننا نرغب اليك بدولة تعز فيها الاسلام والمسلمين.
الان عرفت فرقا , واختلافا اخراً.
في السبعينيات كنا ننال ثمر خلافاتهم لطمات.
الان استبدلت اللطمات برصاصات كاتمات او غير كاتمات وبعبوات لهن صدى يزلزل الارض والسماء
....
جا هن حمامات تتكاتلون عليهن عليش ؟؟؟
هذا سوق الغزل متروس انواع واشكال
واذا ماحصلتوا !!! اني اخذلكم من الجوكَات مال بداي المطيرجي
هناك 3 تعليقات:
رهيب هذا الاستذكار الجميل الممزوج بلفرح واللوعة والحنين,تفسير بسيط لكل الاشكالات العقائدية والسياسية والاجتماعية لفترة السعينيات وكم الهم الانساني الذي كان يركب الجميع سياسين ,عشائريين ,أسلاميين وفي وسط كل ذلك هوس الطفولة المجنون بلحرية والأنعتاق من الاهل والعشيرة ولاندماج مع سرب الحمام...المقال جميل خالو عاشووو...
افضل بكثير مما علق على استار الكعبة
الصديق ناجي شكرا لك
إرسال تعليق